"تجليات العزة في مرايا المهابة: حين نطق التاريخ بلسان الفعل وأسرار البقاء"

ثلاثاء, 30/09/2025 - 14:54

بنشاب : في بطون الدهور سرائر لا تُستبان إلا لأولي الألباب، وفي مسالك الزمان خفايا لا يُدرك غورها إلا من أُوتي بسطةً في الفهم ومهابةً في النظر.

هنالك حيث يتعانق السرّ بالمصير، ويتوارى المجد خلف أستارٍ من الكتمان، تُولد الأساطير لا من حروف الرواة، بل من صلابة المواقف وصهيل الإرادة. وما أشدّ ما يُخفي التاريخ بين ثناياه من أسرارٍ لا ينكشف حجابها إلا ساعة يشهد الزمان على رجلٍ تجسّد فيه معنى الصمود، وتجلّت فيه رفعة العزائم، وارتسمت في خطاه خريطة وطنٍ تائهٍ بين العواصف.

ذاك الرجل الذي صعد مراقي المجد لا بخيوط الصدف، بل بمداد الصبر، ونقش ملامحه على جدار الزمن لا بالحبر، بل بالعرق والحديد والنار. مرّ بمسالك وعرة، حيث انكسرت من قبله إرادات، وتعثر على عتباتها رجال، لكنه ما هوى، بل نهض يذود عن فكرة صلبة: أن للأوطان أعناقاً لا تُطأطأ، وللشعوب هيبةً لا تُستباح.

في كل مرحلةٍ من مراحل مسيرته، كان كالسيف المسلول على رقاب الفوضى، وكالجدار المنيع في وجه التيه، يصارع زوابع الداخل ورياح الخارج، فلا تلين له قناة، ولا ينثني له عزم. كان إذا تكشّفت الخطوب، بان معدنه الصلد، وإذا احتدمت المعارك، علت مهابته حتى يظن الرائي أنه من سلالة الصقور، لا من طينة البشر.

إنجازاته لم تكن أرقاماً جامدة، ولا مشاريعاً تُرصّ على الورق، بل كانت بصماتٍ تنبض في شرايين الوطن: طاقةٌ أضاءت العتمة، جسورٌ مدت شرايين العمران، إرادةٌ أذابت ثلوج الوهن، وقراراتٌ خطّت ملامح دولةٍ تستعيد حقها في الحياة. كان يعلم أن التاريخ لا يُسطّر بالحروف، بل بالفعل، ولا يُحفر في الذاكرة بالأقوال، بل بالأثر.

أسراره؟ هي تلك التي لم يفصح عنها صريحاً، لكنك تلمحها في سكون وقفته، في ابتسامةٍ لا تخلو من غموض، وفي عزيمةٍ كأنها جُبلت من صخر. سرّه الأكبر أنه لم يكن يعيش لذاته، بل لفكرةٍ سامقةٍ تعلو على الأسماء، وتسمو على الكراسي، حتى إذا غادر الميدان، بقي أثره يوشوش في ذاكرة الزمان كأنّه نقش لا يمحوه الريح.

شموخه؟ هو ذلك الذي يتجلّى حين يقف في حضرة التحديات كجبلٍ لا تهزه الأعاصير. رفعته؟ هي سموّ الإرادة حين تتحدى المستحيل. واستقامته؟ هي أن يمشي في دروبٍ موحشة، فلا يزيغ بوصله، ولا ينحرف ميزانه، لأن في قلبه يقيناً أنّ طريق الكبار لا يُفرش بالورود، بل يُرصف بالتضحيات.

لقد مرّ بمراحل كانت كالغربال، تصفي الرجال كما تصفي النار خبث الحديد، فخرج منها أصلب عوداً، وأصفى جوهراً. وما زال التاريخ – على قسوته – يشهد أنه رجلٌ اختبرته المحن فزاده وهجاً، وخاض غمار الزمان فترك وراءه أثراً لا تذروه الرياح.

من ص/ Brahim Abdellahi