
بنشاب : هناك رجال، إذا مرّ ذكرهم هزّ أفق البلاغة وأربك عرش البيان، رجال لا تُقاس أقدامهم بخطى البشر، ولا تُوزن مواقفهم بميزان الطين والحجر، بل هم من معدن نادر صاغته يد القدر، فصاروا جبالًا لا تهتزّ لرياح العواصف، وأنهارًا لا تنضب في ساحات الشرف.
أما أحدهما، فشموخٌ كسيفٍ لا يلين، حمل على كتفيه همّ أمة، وجعل من إرادته جسرًا تعبر عليه قوافل العزة. لم يزده عصف الأيام إلا صلابة، ولا زخّ من سهام الباطل إلا إصرارًا على الثبات. كان إذا وقف أذهل الوقوفَ جلالُه، وإذا مضى أرهبت المضيَّ خطواتُه، كأنما هو صخرة نزلت من علياء الجبال، لا تزعزعها معاول الجحود.
وأما الثاني، فهو من نسل النخوة وأصل الوفاء، فارسٌ يترجل حيث تعجز الأفراس، وصوتٌ لا يتلعثم حين ترتجف الألسن. عرفته المواقف ساعة العسرة، لا يبيع ودًّا ولا يساوم على عهد، بل كان كالنجم إذا احتجبت النجوم، يهتدي به الضائع ويأنس به الحائر. في محافل الرجال كان ميزانًا للصدق، وفي ميادين الشرف كان صفحة لا تُمحى.
اجتمعت في سيرة الاثنين آية من آيات الرجولة: صلابة تُكسر بها قيود الضعف، ووفاء يُروى به غليل المروءة. هما ككفّتين من ميزان التاريخ، إحداهما تثقل بالشجاعة، والأخرى بالوفاء، حتى صار الجمع بينهما ملحمة لا تتكرر إلا في كتب الأساطير.
فيا ليت كل زمان يُهدى بمثلهما، وليت كل أمة تُرزق برجالٍ يحملون في دمائهم هذا الصفاء، وفي قلوبهم هذا النقاء، وفي مواقفهم هذا العلو الذي لا يُطال.
من ص/ Brahim Abdellahi