
بنشاب : في مدينة شنقيط حيث المئذنة ترفع صوت الآذان ، و حيث الأرض تنطق بتاريخ الوحدة و العدل ، يعيد الرئيس بيرام الداه أعبيد التفكير في حاضرنا و يستدعي رمزية المكان لبناء مستقبل يليق بنا كموريتانيين شناقطة .
في قلب الصحراء حيث يسكن السكون و تتعانق السماء و الرمال تطل علينا شنقيط ، ليست كمدينة تأخذ حيزا من الجغرافيا بل كحاضنة للمعنى و ذاكرة ناطقة بتاريخ شعوب نهضت من بين كثبانها لتصوغ مجدها و تخط مصيرها .
وقف الرئيس بيرام الداه أعبيد هناك في فسحة المسجد العتيق لا يحتمي من حرارة الشمس بل أستدفئ بإرث حضاري عميق صنعه رجال جعلوا من الدين و العلم وسيلة لتحرير الإنسان و توحيد الأمة .
لقد كان المسجد أكثر من معمار حجري ، كان منبرا للحرية و مدرسة للوعي و ساحة لتكوين الدولة .
وقف الرئيس يراقب تلك المئذنة الشاهقة قائلا هذا المكان لا يحفظ فقط تراثا معماريا بل يصون روح الوحدة و الانبعاث ، فهنا اتحدت القبائل و تآلفت الأعراق تحت راية واحدة ، في مشروع حضاري جامع هو نواة الدولة المرابطية التي خرجت من رحم شنقيط إلى آفاق الأندلس و إفريقيا جنوب الصحراء .
تلك اللحظة الروحية إستحضرها الرئيس بيرام الداه أعبيد للتأمل في حالنا اليوم كموريتانيين نتلمس طريقنا نحو التغيير وسط تعقيدات الحاضر . إن الطموح إلى التناوب الديمقراطي على الحكم ليس مغامرة بل استعادة لنهج تاريخي كانت فيه المشروعية تستمد من القيم و المبادئ لا من امتلاك أدوات القمع و الهيمنة . قال الإمام الغزالي ( العدل أساس الملك ، فإذا زال الأساس انهار البناء و لو كان من ذهب ) و نحن اليوم ، حين نرفع صوتنا بالمطالبة بانتقال سلمي للسلطة فإنما نعيد الاعتبار لأبسط مقومات الشرعية السياسية في أي نظام يحترم شعبه و تاريخه .
لقد كانت سنة 1958 شاهدة على لحظة نضج وطني حين عبر المختار ولد داداه من عمق هذه الأرض إلى قبة البرلمان الفرنسي ، ليفتح بوابة الاستقلال الوطني . و اليوم نرجو أن تحمل الانتخابات التشريعية القادمة بذور انتقال ديمقراطي حقيقي يفضي إلى تناوب سلمي على الرئاسة ، و قطيعة مع نماذج الحكم الفردي المزمن المقيت . الفيلسوف محمد إقبال قال ذات مرة ( إن الأمة التي لا تتغير لا تعيش و الأمة التي لا تحلم لا تتقدم ). و نحن نحلم بعيون مفتوحة بأن تكون هذه اللحظة مفصلا تاريخيا جديدا لا تفرض فيه الإرادة من فوق بل تصنع من القاعدة ، من صوت المواطن و من ضمير الوطن .
شنقيط، إذ تحرسها الكتب القديمة، و المآذن و الطرقات الرملية التي لا تفرغ من الزائرين ، تذكرنا أن الشعوب لا تنهض بالعنف بل بالإرادة . و لا تبني مجدها بالشعارات بل بالوعي و التنظيم و الإصرار على تحقيق دولة القانون و المؤسسات .
فلنعد للمكان رمزيته و للشعب قراره و لنفتح صفحة جديدة ، تخط سطورها بمداد الحرية و الكرامة و تكون عنوانها ( موريتانيا لكل الموريتانيين) بلا إقصاء و لا توريث و لا تهميش .
مكي عبد الله عضو و ناشط في منظمة إيرا الحقوقية و عضو في حزب الرك
أنواذيب بتاريخ : 21/07/2025