متى نرسو على بر الحوار؟ / الولي سيدي هيبه

جمعة, 11/07/2025 - 12:46

بنشاب : ما زالت الطبقة السياسية في البلد -الذي يعاني اضطرابًا اجتماعيًا وأخلاقيًا فوق ما يُعلَن عنه سياسيًا – مصرة على تجاهل هذه الحقيقة المؤلمة، متوارية خلف تجاذبات “سطحية” تفتقر إلى المعالجة الرصينة والبعد الاستشرافي المتبصر، ولا تلوح في الأفق من بوادر لأي تقارب بينها.
على الرغم من إدراك المعارضة، بكل أطيافها العقائدية والتنظيمية، والموالاة بتبايناتها من حيث القوة والحضور، لما قد يحصده الطرفان من تقارب حقيقي، فضلًا عن استجابتها لمتطلبات الاستقرار، الذي يُعدّ شرطًا أساسيًا لترسيخ الديمقراطية، فإن التعاطي السياسي بينهما لا يزال بعيدًا عن الجدية والفاعلية. إن الديمقراطية لا تُفرَض ولا تُوجَّه، بل تنشأ وتتكرّس في ظل دولة القانون قوية، القادرة على ترسيخ العدالة، وضمان الأمن والاستقرار الدائمين.
غير أن هذه التجاذبات، التي تبدوا كالفوضوية السياسية، تفتقر إلى حمل الهمّ الوطني الحقيقي، ولا تنطلق من رؤية عملية تستند إلى “حوار وطني شامل” يُلهم الجماهير، ويمنحها فرصة لتكوين مواقف واعية، منطقية وموضوعية، تجاه القضايا الوطنية الكبرى، وهو ما يُمكّن من تحقيق هدفين ضروريين لأي مسار سياسي إيجابي وبنّاء:
الأول: تمكين الفاعلين السياسيين من العمل داخل أطر تنظيمية، تعزز المشاركة الشعبية في صياغة المطالب وتحديد غاياتها ووسائل تحقيقها.
الثاني: دمقرطة الحياة السياسية فعليًا، من خلال تعزيز الأطر السياسية كمؤسسات جامعة تُحافظ على التراتبية التنظيمية، دون أن تُقصي مبدأ الندية بين المنتسبين الفاعلين على مختلف المستويات، وفقًا للنصوص، والخطابات، والفلسفات الحزبية.
ولو خُلِّصَ العمل السياسي والنضالي، في الأحزاب والتنظيمات والحركات، من جريرة “الشخصنة La personnalisation” و”عبادة الفرد Le culte de la personnalité”، وتم تفكيك مركزية القرار والخطاب، لانحلت عقدة الجمود السياسي، ووجدت القوى السياسية نفسها مدفوعة إلى قبول الآخر، تمهيدًا لوفاق وطني يحفظ كيان الدولة، ويصون أمن المواطن ويحفظ مقدراته.
قد تبدو كلمتا “الكيان” و”الأمن” مكررتين وفاقدتين لتأثيرهما، لكن غيابهما الصارخ عن الضمير الوطني وعن أولويات قادة الرأي وصناعة القرار في نشوة السلطة أو مرارة الإقصاء، س يمثل في حال الفشل عن تدارك الوضع، قنبلة موقوتة لا تبقي ولا تذر. وأما في حال تغليب المصلحة الوطنية، فهما صمام أمان والأمل القاطع في رسو دولة القانون على بر أمان السلام والازدهار.
وفي ظل هذا “العمى السياسي”، الذي طغى فيه الأسود والاحمر واستعصى فيه التصالح عبر حوار مباشر على مائدة “الوطن المشترك”، تبقى الانتخابات الديمقراطية منفذًا لا يحق لأي طرف أن يسده، مهما تكن الذرائع، وإن كان من المشروع السعي إلى ضمان شفافيتها ونزاهتها بكل الوسائل السلمية.
لقد أصبحت الديمقراطية خيارًا كونيًا لا رجعة فيه. ولم تعد الشعوب، في زمن الانفجار الإعلامي والتواصل اللحظي، لتقبل بالتراجع عن هذا الخيار في أي بقعة من المعمورة. وموريتانيا ليست بدعا ولا استثناءً؛ فهي جزء من هذا العالم الذي أصبح قرية واحدة، تُنقل في كل أرجائها الأخبار فور حصولها، بلا حدود ولا جنسية.
وفي هذا العالم السريع الشفاف، لا تصمد إلا الدول التي نجحت في تجاوز معوقاتها التقليدية، وتبنت التناوب السلمي على السلطة، لتشق طريقها نحو مستقبلٍ متحرر من أوزار الماضي. ولن تكون موريتانيا في مأمن من السقوط خارج مضمار التحول إذا لم تبادر إلى مصالحة وطنية شاملة، وتلتحق بركب العالم الجديد قبل فوات الأوان.
فهل يسمع صانعو القرار والسياسيون، داخل السلطة وخارجها، هذا النداء المنبثق من صلب الواقع، فيستفيقون من سباتهم السياسي ويتهيؤون لاستحقاقات انتخابية مقبلة تُشكّل لحظة انطلاق نحو الاندماج في المنظومة الكونية؟ وهل يدركون، كما عبّر الدكتور عبد السلام ولد حرمه، رئيس حزب الصواب، أن موريتانيا تعيش أزمة سياسية لا يمكن تجاوزها إلا بانتخابات توافقية، شفافة ونزيهة، يُشارك فيها جميع الطيف السياسي؟