
بنشاب : نصيحة للأمة ..
في زمن تتعالى فيه الأصوات المطالبة بالعدالة والإنصاف، وتتصاعد فيه التحديات التي تهدد وحدة الشعوب وتماسك الأوطان، آن لموريتانيا أن تعيد النظر بعمق في تركيبة نظامها السياسي، وأن تُنصت لصوت العقل والضمير، وتُقدِّم خطوة جريئة نحو مستقبل تتسع فيه القيادة الوطنية لتشمل جميع مكونات الشعب، دون إقصاء أو تهميش.
لقد ظل منصب رئاسة الجمهورية منذ تأسيس الدولة محصورًا -واقعيًا- في شريحة بعينها، ما يعكس إرثًا اجتماعيًا عميقًا من التراتبية والاحتكار غير المعلن. ومع أن الدستور لا يمنع تولي أي مواطن رئاسة الجمهورية، فإن الثقافة السياسية والممارسات العملية ظلت تُقصي شرائح واسعة من أبناء الوطن، إما بتجاهلهم، أو بترهيبهم من الطموح، أو بدفعهم إلى هامش المشهد السياسي.
إننا لا ندعو إلى التغيير من باب الثأر التاريخي، ولا نطالب بقرارات شكلية تستجيب لضغط اللحظة، بل ندعو إلى تحول وطني نابع من وجدان الدولة وضمير المجتمع، تحوُّل يُعيد تعريف مفهوم القيادة، ويُحررها من أسر القبيلة واللون والطبقة، ويجعلها وظيفة وطنية خالصة تُناط بالكفاءة، والنزاهة، والرؤية.
إن تولي رئيس من الشرائح المهمشة، ليس مجرّد حدث رمزي؛ بل هو تصحيح لمسارٍ تاريخي غير عادل، ودفعة نفسية قوية تُشعر كل موريتاني، مهما كان أصله أو طبقته، أنه في وطنه، وأنه يمكن أن يحلم ويصل، وأن الدولة لا تُدار على أساس الامتياز الموروث، بل على قاعدة المواطنة المتساوية.
بل إن المصلحة الوطنية تقتضي، في هذا المنعطف الحرج، أن يُعاد توزيع الثقة والفرص بين جميع مكونات المجتمع، حتى لا تتحوّل الانقسامات الصامتة إلى تصدعات تهدد السِّلم الاجتماعي.
إن هذه الخطوة ستُحدث زلزالاً في البنية المتحجرة لنظام المحسوبية والولاءات الضيقة. فعقود طويلة من الحكم القبلي والجهوي أنتجت أُسرًا نافذة احتكرت السلطة والمال، وورثت المناصب العليا في الإدارة، والأمن، والعسكر، والسلك الدبلوماسي، والبعثات الجامعية إلى الخارج، وكأنها غنيمة لا تُقسم إلا على أصحاب الحظوة. وقد آن الأوان لتفكيك هذا الحصار الاجتماعي المفروض على الطموح الوطني، وتحرير الدولة من عقلية الامتياز الوراثي.
إن وصول أبناء الفئات المهمشة إلى سدة الحكم لن يكون تهديدًا لوحدة البلاد، بل سيكون تجديدًا لروحها، وإعادة لتوزيع العدالة، وبداية لنهاية عهد النخبة الوراثية التي استأثرت بكل شيء وتركت للآخرين الفُتات.
وحين تتاح القيادة لمن كان ممنوعًا من الحلم بها، سينكسر سيف الجهة، وتُقصّ أظافر القبيلة، وتذوب الفوارق، ويفسح التاريخ الطريق أمام دولة المواطنة الحقة، التي لا تُقاس فيها القيمة بأصل النسب، بل بصدق النية وخدمة الوطن.
إنني أوجه هذه النصيحة إلى:
- صنّاع القرار: كي يُفسحوا المجال أمام كفاءات من خارج الحلقة التقليدية.
- النخب المثقفة: كي تكسر جدار الصمت وتنحاز للمساواة.
- المجتمع المدني: كي يرفع الصوت عاليًا دعماً للعدالة التمثيلية.
- الشارع الوطني: كي يُدرك أن إنصاف الآخر هو إنصاف للذات، وأن الوطن لا يُبنى بنصف شعب.
إن رئاسة موريتانيا ليست حقًّا قبليًا ولا ميراثًا أبديًا، بل مسؤولية وطنية يجب أن تكون مفتوحة أمام جميع أبناء هذا الوطن، ما داموا يستحقونها ويقدرون عليها.
فلنفتح أبواب الأمل، ولننزع عن العقل الجمعي تلك السلاسل النفسية التي كرّست رهاب الخوف من غير المألوف، ووهم الاستحقاق الوراثي، فموريتانيا لن تكون عادلة حقًا حتى يُصبح بإمكان كل أبنائها -على اختلاف أصولهم وألوانهم- أن يحلموا بقيادتها .. وأن يصلوا إليها.
والله من وراء القصد