
بنشاب : 2. الانقلاب الناعم على النظام!
يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
{إن الذين جاءو بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}.. {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}..
ويقول جل من قائل وقوله الحق:
{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
ويقول أيضا: {ومكر أولئك هو يبور}.
صدق الله العظيم
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
في اعتقادي أن أي قاض يحترم نفسه ومهنته المقدسة ابتلي بالنطر في هذا الملف، يجب عليه قسرا بذل قصارى جهده في استيعاب كنه هذا الاتهام الغريب الأول من نوعه في بلادنا والناجم عن مجريات الصراع الاجتماعي، والذي سنحاول تبيان تفاصيله بإذن الله؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومعرفة الأسباب معينة على التأويل!
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
لعلنا نتذكر جميعا أنه منذ العاشر يوليو سنة 1978 إلى السادس من أغسطس 2008 كان الصراع الاجتماعي في موريتانيا يحسم بالسلاح ونزول الدبابات إلى الشوارع.
ومن حسنات حركتي أغسطس 2005 و2008 المجيدتين اللتين قادهما بنجاح الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أنهما أسستا عن طريق حوارات حقيقية مفتوحة شارك فيها بحرية مطلقة جميع الموريتانيين، عهدا ديمقراطيا حقيقيا وحكامة رشيدة سنّت في المواد 26 و28 و29 من الدستور أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس (5) سنوات، وتمكن إعادة انتخابه مرة واحدة، وأنه يحظر بتاتا مراجعة الأحكام الدستورية الواردة في المادتين 26 و28 حول آلية انتخاب رئيس الجمهورية وعدد مأمورياته. وفي عهدهما الميمون حُرر القرار السياسي الموريتاني من الارتهان للغير، وحورب الفساد، وطردت إسرائيل صاغرة، ولمست يد الإصلاح والتغيير والبناء معظم مرافق الحياة في عموم البلاد، وجرمت الانقلابات في المادة 2 من الدستور وفي القانون رقم 010 /2013 بتاريخ 23 يناير 2013، وكرس التداول السلمي للسلطة في انتخابات 2019. وكان كل ذلك وغيره من بناء وتنمية وعمران وعلو شأن بقيادة وتوجيه الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ولسنا نحن من يقول ذلك فقط؛ بل قاله رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ محمد أحمد، وغيره!
وبرغم جميع المحاولات التي تعرض لها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من أجل ثنيه عن التنحي طواعية عن السلطة، والضغوط الداخلية والخارجية ووسوسة شياطين الإنس والجن كي يقوم بتعديل المواد المحصنة، ويترشح لمأمورية ثالثة (ومن بين تلك الضغوط ملتمسان أحدهما موقع من مليون مواطن، والثاني موقع من طرف 102 نائب برلماني هذه لائحتهم فإنه رفض رفضا باتا أن يتراجع عن قرار اتخذه عن اقتناع ووعي، وفاء بعهده الذي عاهد به شعبه، وبرا بيمينه التي أقسمها يوم توليه مقاليد الحكم، وحرصا منه على ترسيخ الديمقراطية في موريتانيا.
وبدلا مما يدعونه إليه من دُنُوّ همة.. انبرى في حملة سياسية جاب خلالها جميع أرجاء الوطن من أجل حصول نظام أغلبيته الحاكمة على أغلبية مقاعد البرلمان والمجالس البلدية والجهوية، وإنجاح مرشحه لمنصب رئاسة الجمهورية، أخيه وصديقه محمد ولد الشيخ محمد أحمد.. وكان له ما أراد.
وفي يوم مشهود لا مثيل له في تاريخ موريتانيا سلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة إلى رئيس الجمهورية المنتخب محمد ولد الشيخ محمد أحمد في حفل مهيب وبهيج في قصر المؤتمرات الجديد؛ وخرج طواعية من الحكم شامخ الرأس عزيزا ونظيفا ومحبوبا ومطمئنا على وطنه الذي كان يرى أنه تركه في أيد أمينة ستصون مكاسب عشرية أغسطس المجيدة، وترعى مصالح الشعب، وتحمي حمى الوطن!
وقد شهد له بحق أثناء هذا الحفل، بتأثر بالغ وامتنان، رئيس الجمهورية المنتخب، فقال في خطاب تنصيبه: "كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل، نيابة عن الشعب الموريتاني، وأصالة عن نفسي، شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة، ومن مكاسب سياسية وديموقراطية رائدة؛ فقد شكلت – بحق – فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار، بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة، وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخاصة والشكر المستحق". وهذه الشهادة الموثقة بالصوت والصورة؛ والتي لم ندل بها عبثا! لن يضرها طعن النيابة فيها بجهل الشاهد لما شهد عليه بعد أربعين سنة من الصحبة والملازمة والمرافقة والمشاهدة والمعاينة والمعايشة والمساعدة والمشاركة الحية في "فساد العشرية" المزعوم! ولا يوجد حيالها سوى أحد موقفين اثنين: فإما العمل بها؛ وبالتالي رفع اليد عن الملف أو البراءة، أو الحكم بجرح رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأنتم أحصف وأكيس من أن تفعلوا ذلك!
ولقد عُزِّزَتْ هذه الشهادة بأخرى تمت من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المنعقدة يوم 17 سبتمبر 2019 حيث ألقى فخامة الرئيس خطابه يوم 25 /09/ 2019 (أي بعد خمسة وخمسين (55) يوما من تنصيبه. ولعل تلك المدة تشفع لهذه الشهادة لدى النيابة الموقرة؛ إذ لا يعذر أحد بجهل الواقع بعد 55 يوما). ولكن هذه الشهادة الجديدة متميزة عن سابقتها، لأنها شهادة تتعلق بإنجازات "عشرية الفساد" التي كانت مثار فخر واعتزاز باهى به يومئذ فخامة الرئيس الحالي العالَمَ فقال: "وعملا بمقتضى التزامنا بهذه الأهداف (أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 التي أطلقتها الدورة السبعون للجمعية العامة في سبتمبر 2015) اعتمدنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية محورية التنمية المستدامة في استراتيجيتنا التنموية وحققنا في هذا المجال إنجازات معتبرة:
- فمن خلال تركيزنا على الطاقات المتجددة الشمسية والهوائية وقد وصلت نسبة الطاقة النظيفة إلى 40% من مجموع الطاقة التي نستهلكها، ولا نزال نعمل بشكل متواصل على زيادة هذه النسبة لإدراكنا العميق بأهمية الطاقة النظيفة وتأثيرها الإيجابي على البيئة ومساهمتها الكبيرة في خفض نسبة التلوث... (وعلى ذكر الطاقة، فإنها مجال آخر نجحنا في التفوق فيه خلال العشرية المباركة على السنغال الذي كنا نزوده بالكهرباء بصفته أحد زبنائنا)!
- تواصل الجمهورية الإسلامية الموريتانية عملها الدؤوب على ترسيخ مبدأ إلزامية التعليم والمساواة فيه بين الجنسين وعلى بناء مدرسة جمهورية تتربى فيها الأجيال على مبادئ الحرية والمساواة والتسامح والانفتاح من منطق الثوابت الثقافية والحضارية لبلدنا كما نعمل باستمرار على رفع مستوى جودة التعليم وتنمية جوانبه العلمية والمهنية وفق ما تقتضيه متطلبات الاقتصاد الوطني ومواكبة العولمة، وقد حققنا في هذا المجال إنجازات كبيرة تعكسها قيم المؤشرات الكبرى لنظامنا التعليمي من قبيل نِسَب النفاذ والتغطية الإجمالية والقدرة الاستبقائية.
- وفي سعينا إلى تمكين المواطنين من النفاذ إلى الخدمات الأساسية خاصة ذوي الأوضاع الهشة منهم، تمكنا في موريتانيا من رفع مؤشر التغطية الصحية الإجمالية على نحو ملحوظ بفضل الزيادة المعتبرة كمًّا وكَيْفًا في البنى التحتية الصحية من مستشفيات ومراكز صحية مجهزة وبفضل ما وفره الاستثمار في الموارد البشرية من طواقم طبية عالية التكوين والمِهنية.
في الحلقة القادمة:
معالجة الفوارق الاجتماعية ومحاربة الهشاشة ودعم الفئات المغبونة وتعزيز التكافل الاجتماعي.
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو